الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)} {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا المدينة رَجُلٌ} هو حبيب النجار كان قد آمن بالرسل ومنزله بأقصى البلد {يسعى} يشتد عَدْواً لما سمع بتكذيب القوم الرسل {قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين}.
{اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)} {اتبعوا} تأكيد للأول {مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً} على رسالته {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} فقيل له: أنت على دينهم؟. فقال:
{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)} {وَمَا لِىَ لآ أَعْبُدُ الذى فَطَرَنِى}؟ خلقني، أي لا مانع لي من عبادته الموجود مقتضيها، وأنتم كذلك {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الموت فيجازيكم كغيركم.
{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)} {ءَأَتَّخِذُ} في الهمزتين منه ما تقدم في «أأنذرتهم» وهو استفهام بمعنى النفي {مِن دُونِهِ} أي غيره {ءَالِهَةً} أصناماً؟ {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّى شفاعتهم} التي زعمتموها {شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ} صفة آلهة.
{إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)} {إِنِّى إِذاً} أي إن عبدت غير الله {لَفِى ضلال مُّبِينٍ} بيّن.
{إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)} {إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} أي اسمعوا قولي، فرجموه فمات.
{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)} {قِيلَ} له عند موته {ادخل الجنة} وقيل دخلها حياً {قَالَ يَا} حرف تنبيه {لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ}.
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)} {بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى} بغفرانه {وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين}.
{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)} {وَمآ} نافية {أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ} أي حبيب {مِن بَعْدِهِ} بعد موته {مِن جُندٍ مِّنَ السمآء} أي ملائكة لإِهلاكهم {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} ملائكة لإِهلاك أحد.
{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)} {إِن} ما {كَانَتْ} عقوبتهم {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} صاح بهم جبريل {فَإِذَا هُمْ خامدون} ساكنون ميتون.
{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)} {ياحسرة عَلَى العباد} هؤلاء ونحوهم ممن كذبوا الرسل فأهلكوا، وهي شدة التألم ونداؤها مجاز، أي هذا أوانُكِ فاحضري {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُنَ} مسوق لبيان سببها لاشتماله على استهزائهم المؤدي إلى إهلاكهم المسبب عنه الحسرة.
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)} {أَلَمْ يَرَوْاْ} أي أهل مكة القائلون للنبي (لست مرسلاً) والاستفهام للتقرير: أي اعلموا {كَمْ} خبرية بمعنى كثيراً معمولة لما بعدها معلقة لما قبلها عن العمل، والمعنى: إنا {أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} كثيراً {مِّنَ القرون} الأمم {أَنَّهُمْ} أي المهلكين {إِلَيْهِمُ} أي المكذبين {لاَ يَرْجِعُونَ} أفلا يعتبرون بهم؟ وأنهم الخ: بدل مما قبله برعاية المعنى المذكور.
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)} {وإِنْ} نافية أو مخففة {كُلٌّ} أي الخلائق، مبتدأ {لَّمّاً} بالتشديد بمعنى إلا، أو بالتخفيف، فاللام فارقة وما مزيدة {جَمِيعٌ} خبر المبتدأ، أي مجموعون {لَدَيْنَا} عندنا في الموقف بعد بعثهم {مُحْضَرُونَ} للحساب، خبر ثان.
{وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)} {وَءَايَةٌ لَّهُمُ} على البعث، خبر مقدم {الأرض الميتة} بالتخفيف والتشديد {أحييناها} بالماء، مبتدأ {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً} كالحنطة {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)} {وَجَعَلْنَا فِيهَا جنات} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وأعناب وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العيون} أي بعضها.
{لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)} {لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} بفتحتين وبضمتين، أي ثمر المذكور من النخيل وغيره {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي لم تعمل الثمر {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} أنعمه تعالى عليهم؟.
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)} {سبحان الذى خَلَق الأزواج} الأصناف {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض} من الحبوب وغيرها {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} من الذكور والإِناث {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} من المخلوقات العجيبة الغريبة.
{وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)} {وَءَايَةٌ لَّهُمُ} على القدرة العظيمة {اليل نَسْلَخُ} نفصل {مِنْهُ النهار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} داخلون في الظلام.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} {والشمس تَجْرِى} إلى آخره من جملة الآية لهم: أو آية أخرى، والقمر كذلك {لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} أي إليه لا تتجاوزه {ذلك} أي جريها {تَقْدِيرُ العزيز} في ملكه {العليم} بخلقه.
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)} {والقمر} بالرفع والنصب، وهو منصوب بفعل يفسره ما بعده {قدرناه} من حيث مسيره {مَنَازِلَ} ثمانية وعشرين منزلاً في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوماً، وليلة إن كان تسعة وعشرين يوماً {حتى عَادَ} في آخر منازله في رأي العين {كالعرجون القديم} أي كعود الشماريخ إذا عتق فإنه يرق ويتقوس ويصفر.
{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} {لاَ الشمس يَنبَغِى} يسهل ويصح {لَهَآ أَن تُدْرِكَ القمر} فتجتمع معه في الليل {وَلاَ اليل سَابِقُ النهار} فلا يأتي قبل انقضائه {وَكُلٌّ} تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر والنجوم {فِى فَلَكٍ} مستدير {يَسْبَحُونَ} يسيرون نُزّلوا منزلة العقلاء.
{وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)} {وَءَايَةٌ لَّهُمُ} على قدرتنا {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} وفي قراءة «ذرياتهم» أي آبائهم الأصول {فِى الفلك} أي سفينة نوح {المشحون} المملوء.
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)} {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ} أي مثل فلك نوح، وهو ما عملوه من شكله من السفن الصغار والكبار بتعليم الله تعالى {مَا يَرْكَبُونَ} فيه.
{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)} {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} مع إيجاد السفن {فَلاَ صَرِيخَ} مغيث {لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} ينجون.
{إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)} {إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا ومتاعا إلى حِينٍ} أي لا ينجيهم إلا رحمتنا لهم وتمتيعنا إياهم بلذاتهم إلى انقضاء آجالهم.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من عذاب الدنيا كغيركم {وَمَا خَلْفَكُمْ} من عذاب الآخرة {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أعرضوا.
{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)} {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءايات رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)} {وَإِذَا قِيلَ} أي قال فقراء الصحابة {لَهُمْ أَنفِقُواْ} علينا {مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من الأموال {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} استهزاء بهم {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ الله أَطْعَمَهُ} في معتقدكم هذا؟ {إن} ما {أَنتُمْ} في قولكم لنا ذلك مع معتقدكم هذا {إِلاَّ فِى ضلال مُّبِينٍ} بيِّن، وللتصريح بكفرهم موقع عظيم.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)} قال تعالى: {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} بالبعث {إِن كُنتُمْ صادقين} فيه.
{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)} قال تعالى {مَا يَنظُرُونَ} أي ينتظرون {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} وهي نفخة إسرافيل الأولى {تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ} بالتشديد: أصله يختصمون نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت في الصاد، أي وهم في غفلة عنها بتخاصم وتبايع وأكل وشرب وغير ذلك، وفي قراءة «يَخْصِمُونَ» كيضربون، أي يخصم بعضهم بعضاً.
{فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)} {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أي أن يوصوا {وَلآ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} من أسواقهم وأشغالهم بل يموتون فيها.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)} {وَنُفِخَ فِى الصور} هو قرن النفخة الثانية للبعث، وبين النفختين أربعون سنة {فَإِذَا هُم} أي المقبورون {مِّنَ الأجداث} القبور {إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} يخرجون بسرعة.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)} {قَالُواْ} أي الكفار منهم {يَا} للتنبيه {وَيْلَنَا} هلاكنا. وهو مصدر لا فعل له من لفظه {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} لأنهم كانوا بين النفختين نائمين ولم يعذبوا {هذا} أي البعث {مَا} أي الذي {وَعْدُ} به {الرحمن وَصَدَقَ} فيه {المرسلون} أقرّوا حين لا ينفعهم الإِقرار، وقيل: يقال لهم ذلك.
{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)} {أن} ما {كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا} عندنا {مُحْضَرُونَ}.
{فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)} {فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ} جزاء {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)} {إِنَّ أصحاب الجنة اليوم فِى شُغُلٍ} بسكون الغين وضمها. عما فيه أهل النار مما يتلذذون به كافتضاض الأبكار، لا شغل يتعبون فيه، لأن الجنة لا نصب فيها {فاكهون} ناعمون خبر ثان لإن، والأول في شغل.
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} {هُمْ} مبتدأ {وأزواجهم فِى ظلال} جمع ظلة أو ظل خبر: أي لا تصيبهم الشمس {على الأرآئك} جمع أريكة وهو السرير في الحجلة أو الفرش فيها {مُتَّكِئُونَ} خبر ثان متعلق على.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)} {لَهُمْ فِيهَا فاكهة وَلَهُمْ} فيها {مَّا يَدَّعُونَ} يتمنون.
{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} {سلام} مبتدأ {قَوْلاً} أي بالقول خبره {مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} بهم، أي: يقول لهم سلام عليكم.
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)} {وَ} يقول {وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} أي انفردوا عن المؤمنين، عند اختلاطهم بهم.
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)} {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} آمركم {يابنى ءَادَمَ} على لسان رسلي {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان} لا تطيعوه {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} بيِّن العداوة؟.
{وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)} {وَأَنِ اعبدونى} وحِّدوني وأطيعوني {هَذَا صراط} طريق {مُّسْتَقِيمٌ}؟.
{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ} خلقاً جمع جبيل كقديم، وفي قراءة بضم الباء {كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} عداوته وإضلاله، وما حل بهم من العذاب، فتؤمنون؟
{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)} ويقا لهم في الآخرة: {هذه جَهَنَّمُ التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} بها.
{اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)} {اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}.
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)} {اليوم نَخْتِمُ على أفواههم} أي الكفار لقولهم {واللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِيْنَ} [23: 6] {وَتُكَلِّمُنآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} وغيرها {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} فكل عضو ينطق بما صدر منه.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)} {وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} لأعميناهم طمساً {فَاسْتَبِقُوا} ابتدروا {الصراط} الطريق ذاهبين كعادتهم {فأنى} فكيف {يُبْصِرُونَ} حينئذ؟ أي لا يبصرون.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)} {وَلَوْ نَشَآءُ لمسخناهم} قردة وخنازير أو حجارة {على مَكَانَتِهِمْ} وفي قراءة «مكاناتهم» جمع مكانة بمعنى مكان: أي في منازلهم {فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ} أي لم يقدروا على ذهاب ولا مجيء.
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)} {وَمَن نّعَمِّرْهُ} بإطالة أجله {نُنْكِّسْهُ} وفي قراءة بالتشديد من التنكيس {فِى الخلق} أي خلقه فيكون بعد قوته وشبابه ضعيفاً وهرماً {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أن القادر على ذلك المعلوم عندهم قادر على البعث فيؤمنون؟ وفي قراءة بالتاء.
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69)} {وَمَا علمناه} أي النبي {الشعر} ردّ لقولهم: إن ما أتى به من القرآن شعر {وَمَا يَنبَغِى} يسهل {لَهُ} الشعر {إِنْ هُوَ} ليس الذي أتى به {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ} مظهر للأحكام وغيرها.
{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)} {لِّيُنذِرَ} بالياء والتاء به {مَن كَانَ حَيّاً} يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون {وَيَحِقَّ القول} بالعذاب {عَلَى الكافرين} وهم كالميتين لا يعقلون ما يُخاطبون به.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)} {أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يعلموا. والاستفهام للتقرير، والواو الداخلة عليها للعطف {أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم} في جملة الناس {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينآ} أي عملناه بلا شريك ولا معين {أنعاما} هي الإِبل والبقر والغنم {فَهُمْ لَهَا مالكون}؟ ضابطون.
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)} {وذللناها} سخرناها {لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} مركوبهم {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}.
{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)} {وَلَهُمْ فِيهَا منافع} كأصوافها وأوبارها وأشعارها {وَمَشَارِبُ} من لبنها جمع مشرب بمعنى شرب أو موضعه {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} المنعم عليهم بها فيؤمنون؟ أي ما فعلوا ذلك.
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)} {واتخذوا مِن دُونِ الله} أي غيره {ءَالِهَةً} أصناماً يعبدونها {لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} يمنعون من عذاب الله تعالى بشفاعة آلهتهم بزعمهم.
{لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)} {لاَ يَسْتَطِيعُونَ} أي آلهتهم، نُزِّلوا منزلة العقلاء {نَصْرَهُمْ وَهُمْ} أي آلهتهم من الأصنام {لَهُمْ جُندٌ} بزعمهم نصرهم {مُحْضَرُونَ} في النار معهم.
{فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)} {فَلاَ يُحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} لك: لَسْتَ مُرْسَلاً وغير ذلك {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} من ذلك وغيره فنجازيهم عليه.
{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)} {أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان} يعلم، وهو العاصي بن وائل {أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ} منيٍّ إلى أن صيّرناه شديداً قوياً {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} شديد الخصومة لنا {مُّبِينٌ} بيّنها في نفي البعث؟.
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} في ذلك {وَنَسِىَ خَلْقَهُ} من المنيِّ، وهو أغرب من مثله {قَالَ مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} أي بالية؟ ولم يقل رميمة بالتاء لأنه اسم لا صفة. وروي أنه أخذ عظماً رميماً ففتته وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أترى يُحْيي الله هذا بعد ما بَلِيَ وَرَمَّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم ويدخلك النار».
{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} {قُلْ يُحْيِيهَا الذى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} مخلوق {عَلِيمٌ} مجملاً ومفصلاً قبل خلقه وبعد خلقه.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)} {الذى جَعَلَ لَكُمُ} في جملة الناس {مِّنَ الشجر الأخضر} المرخ والعفار أو كل شجر إلا العناب {نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} تقدحون، وهذا دال على القدرة على البعث، فإنه جمع فيه بين الماء والنار والخشب، فلا الماء يطفئ النار، ولا النار تحرق الخشب.
{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)} {أَوَ لَيْسَ الذى خَلَقَ السماوات والأرض} مع عظمهما {بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} أي الأناسيّ في الصغر؟ {بلى} أي هو قادر على ذلك أجاب نفسه {وَهُوَ الخلاق} الكثير الخلق {العليم} بكل شيء.
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} {إِنَّمَآ أَمْرُهُ} شأنه {إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً} أي خلق شيء {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} أي فهو يكون، وفي قراءة بالنصب عطفاً على يقول.
{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} {فسبحان الذى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ} مُلْك، زيدت الواو والتاء للمبالغة: أي القدرة على {كُلِّ شَئ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تُردّون في الآخرة.
{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)} {والصافات صَفًّا} الملائكة تصف نفوسها في العبادة أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به.
{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)} {فالزاجرات زَجْراً} الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه.
{فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)} {فالتاليات} أي جماعة قرّاء القرآن تتلوه {ذِكْراً} مصدر من معنى التاليات. {إِنَّ إلهكم} يا أهل مكة {لواحد}.
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)} {رَبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} أي والمغارب للشمس، لها كل يوم مشرق ومغرب.
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)} {إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} أي بضوئها أو بها، والإِضافة للبيان. كقراءة تنوين زينةٍ المبينة بالكواكب.
{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)} {وَحِفْظاً} منصوب بفعل مقدّر: أي حفظناها بالشهب {مِن كُلِّ} متعلق بالمقدّر {شيطان مَّارِدٍ} عاتٍ، خارجٍ عن الطاعة.
{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)} {لاَ يَسْمَعُونَ} أي الشياطين وسماعهم مستأنف، في المعنى المحفوظ عنه {إلى الملإ الأعلى} الملائكة في السماء، وَعُدِّيَ السماع بإلى لتضمنه معنى الإِصغاء. وفي قراءة بتشديد الميم والسين: أصله يتسمعون، وأدغمت التاء في السين {وَيَقْذِفُونَ} أي الشياطين بالشهب {مِن كُلِّ جَانِبٍ} من آفاق السماء.
{دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)} {دُحُوراً} مصدر دحره: أي طرده وأبعده، وهو مفعول له {وَلَهُمْ} في الآخرة {عَذابٌ وَاصِبٌ} دائم.
{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)} {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} مصدر أي: المرّة والاستثناء من ضمير يسمعون: أي لا يسمع إلا الشيطان الذي سمع الكلمة من الملائكة فأخذها بسرعة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} كوكب مضيء {ثَاقِبٌ} يثقبه أو يحرقه أو يخبله.
{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)} {فاستفتهم} استخبر كفار مكة. تقريراً أو توبيخاً {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} من الملائكة والسموات والأرضين وما فيهما؟ وفي الإِتيان بمن تغليب العقلاء {إِنَّا خلقناهم} أي أصلهم آدم {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} لازم يلصق باليد، المعنى: أن خلقهم ضعيف فلا يتكبروا بإنكار النبي والقرآن المؤدّي إلى إهلاكهم اليسير.
{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} {بَل} للانتقال من غرض إلى آخر، وهو الإِخبار بحاله وبحالهم {عَجِبْتَ} بفتح التاء خطاباً للنَّبي صلى الله عليه وسلم أي من تكذيبهم إياك {وَ} هم {يَسْخَرُونَ} من تعجبك.
{وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)} {وَإِذَا ذُكِّرُواْ} وُعِظوا بالقرآن {لاَ يَذْكُرُونَ} لا يتعظون.
{وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)} {وَإِذَا رَأَوْاْ ءَايَةً} كانشقاق القمر {يَسْتَسْخِرُونَ} يستهزئون بها.
{وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15)} {وَقَالُواْ} فيها {إن} ما {هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} بيِّن.
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)} وقالوا منكرين للبعث: {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} في الهمزتين في الموضعين التحقيق، وتسهيل الثانية، وإدخال ألف بينهما على الوجهين.
{أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)} {أَوَ ءَابآؤُنَا الاولون} بسكون الواو عطفا بأو، وبفتحها والهمزة للاستفهام والعطف بالواو والمعطوف عليه محل إنّ واسمها أو الضمير في المبعوثون والفاصل همزة الاستفهام.
{قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)} {قُلْ نَعَمْ} تبعثون {وَأَنتُمْ داخرون} صاغرون.
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)} {فَإِنَّمَا هِىَ} ضميره مبهم يفسره {زَجْرَةٌ} أي صيحة {واحدة فَإِذَا هُمْ} أي الخلائق أحياء {يَنظُرُونَ} ما يفعل بهم.
{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)} {وَقَالُواْ} أي الكفار {يَا} للتنبيه {وَيْلَنَا} هلاكنا، وهو مصدر لا فعل له من لفظه، وتقول لهم الملائكة {هذا يَوْمُ الدين} أي الحساب والجزاء.
{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)} {هذا يَوْمُ الفصل} بين الخلائق {الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}.
{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)} ويقال للملائكة: {احشروا الذين ظَلَمُواْ} أنفسهم بالشرك {وأزواجهم} قرناءَهم من الشياطين {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ}.
{مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} {مِّن دُونِ الله} أي غيره من الأوثان {فاهدوهم} دلّوهم وسوقوهم {إلى صراط الجحيم} طريق النار.
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} {وَقِفُوهُمْ} احبسوهم عند الصراط {إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} عن جميع أقوالهم وأفعالهم، ويقال لهم توبيخاً:
{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)} {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} لا ينصر بعضكم بعضاً كحالكم في الدنيا؟
{بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)} ويقال لهم: {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} منقادون أذّلاء.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)} {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} يتلاومون ويتخاصمون.
{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)} {قَالُواْ} أي الأتباع منهم للمتبوعين {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} عن الجهة التي كنا نأمنكم منها لحلفكم أنكم على الحق فصدّقناكم واتبعناكم، المعنى: إنكم أضللتمونا.
{قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)} {قَالُواْ} أي المتبعون لهم {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} وإنما يصدق الإِضلال منا أن لو كنتم مؤمنين فرجعتم عن الإِيمان إلينا.
{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)} {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سلطان} قوّة وقدرة نقهركم على متابعتنا {بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طاغين} ضالّين مثلنا.
{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)} {فَحَقَّ} وجب {عَلَيْنَا} جميعاً {قَوْلُ رَبِّنَآ} بالعذاب: أي قوله {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [119: 11] {إِنَّا} جميعاً {لَذَائِقُونَ} العذاب بذلك القول، ونشأ عنه قولهم.
{فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)} {فأغويناكم} المعلل بقولهم {إِنَّا كُنَّا غاوين}.
{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)} قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ} أي لاشتراكهم في الغواية.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)} {إِنَّا كذلك} كما نفعل بهؤلاء {نَفْعَلُ بالمجرمين} غير هؤلاء: أي نعذبهم، التابع منهم والمتبوع.
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)} {إِنَّهُمْ} أي هؤلاء، بقرينة ما بعده {كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لآ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ}.
{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)} {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا} في همزتيه ما تقدّم {لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} أي لأجل قول محمد؟.
{بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)} قال تعالى {بَلْ جآءَ بالحق وَصَدَّقَ المرسلين} الجائين به، وهو أن لا إله إلا الله.
{إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38)} {إِنَّكُمْ} فيه التفات {لَذَآئِقُوا العذاب الأليم}.
{وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)} {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ} جزاء {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)} {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي المؤمنين استثناء منقطع.
{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41)} ذكر جزاؤهم في قوله: {أولئك لَهُمْ} في الجنة {رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} بكرة وعشيّاً.
{فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)} {فواكه} بدل أو بيان للرزق هو ما يؤكل تلذذاً لا لحفظ صحة، لأنّ أهل الجنة مستغنون عن حفظها بخلق أجسامهم للأبد {وَهُم مُّكْرَمُونَ} بثواب الله سبحانه وتعالى.
{فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)} {فِي جنات النعيم}.
{عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)} {على سُرُرٍ متقابلين} لا يرى بعضهم قفا بعض.
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)} {يُطَافُ عَلَيْهِمْ} على كل منهم {بِكَأْسٍ} هو الإِناء بشرابه {مِّن مَّعِينٍ} من خمر يجري على وجه الأرض كأنهار الماء.
{بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46)} {بَيْضَآءَ} أشدّ بياضاً من اللبن {لَذَّةٍ} لذيذة {للشاربين} بخلاف خمرة الدنيا فإنها كريهة عند الشرب.
{لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)} {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} ما يغتال عقولهم {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} بفتح الزاي وكسرها، من نزف الشارب وأنزف: أي يسكرون بخلاف خمر الدنيا.
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)} {وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} حابسات الأعين على أزواجهنّ لا ينظرن إلى غيرهم لحسنهم عندهنّ {عِينٌ} ضخام الأعين حِسَانها.
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} {كَأَنَّهُنَّ} في اللون {بَيْضٌ} للنعام {مَّكْنُونٌ} مستور بريشه لا يصل إليه غبار، ولونه وهو البياض في صفرة، أحسن ألوان النساء.
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)} {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} بعض أهل الجنة {على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} عما مرّ بهم في الدنيا.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)} {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ} صاحب ينكر البعث.
{يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)} {يِقُولُ} لي تبكيتاً {أَءِنَّكَ لَمِنَ المصدقين} بالبعث؟.
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)} {أَءِذَا مِتْنَا وكُنَّا تُرَاباً وعِظَاماً أَءِنَّا} في الهمزتين في الثلاثة مواضع ما تقدم {لَمَدِينُونَ} مجزيُّون ومحاسَبون؟ أنكر ذلك أيضاً.
{قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)} {قَالَ} ذلك القائل لإخوانه: {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} معي إلى النار لننظر حاله؟ فيقولون: لا.
{فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)} {فَأَطَّلَعَ} ذلك القائل من بعض كوى الجنة {فَرَءَاهُ} أي رأى قرينه {فِى سَوَآءِ الجحيم} أي وسط النار.
{قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)} {قَالَ} له شماتة {تالله إِن} مخففة من الثقيلة {كِدتَّ} قاربْت {لَتُرْدِينِ} لتهلكني بإغوائك.
{وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)} {وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى} عليّ في الدنيا بالإِيمان {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} معك في النار.
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58)} ويقول أهل الجنة: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ}.
{إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)} {إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} أي التي في الدنيا {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}؟ هو استفهام تلذذ وتحدُّث بنعمة الله تعالى من تأبيد الحياة وعدم التعذيب.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)} {إِنَّ هذا} الذي ذُكِرَ لأهل الجنة {لَهُوَ الفوز العظيم}.
{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)} {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون} قيل يقال لهم ذلك، وقيل هم يقولونه.
{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)} {أذلك} المذكور لهم {خَيْرٌ نُّزُلاً} وهو ما يعدّ للنازل من ضيف وغيره {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} المعدّة لأهل النار؟ وهي من أخبث الشجر المرّ بتهامة ينبتها الله في الجحيم كما سيأتي.
{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)} {إِنَّا جعلناها} بذلك {فِتْنَةً للظالمين} أي الكافرين من أهل مكة، إذ قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبته؟.
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)} {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الجحيم} أي قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} {طَلْعُهَا} المشبه بطلع النخل {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} أي الحيات القبيحة المنظر.
{فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)} {فَإِنَّهُمْ} أي الكفار {لأَكِلُونَ مِنْهَا} مع قبحها لشدّة جوعهم {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون}.
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)} {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} أي ماء حارّ يشربونه فيختلط بالمأكول منها فيصير شوباً له.
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} يفيد أنهم يخرجون منها لشرب الحميم وأنه خارجها.
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69)} {إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ} وجدوا {ءَابَآءَهُمْ ضَآلِّينَ فَهُمْ}.
{فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)} {فَهُمْ على ءاثارهم يُهْرَعُونَ} يزعجون إلى اتباعهم فيسرعون إليه.
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)} {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين} من الأمم الماضية.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)} {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} من الرسل مُخَوِّفين.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)} {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المنذرين} الكافرين: أي عاقبتهم العذاب.
{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)} {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي المؤمنين فإنهم نجوا من العذاب لإِخلاصهم في العبادة، أو لأنّ الله أخلصهم لها على قراءة فتح اللام.
{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)} {وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ} بقوله رب {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [10: 54] {فَلَنِعْمَ المجيبون} له نحن: أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق.
{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)} {ونجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} أي الغرق.
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} فالناس كلهم من نسله وكان له ثلاثة أولاد: سام وهو أبو العرب والفرس والروم وحام وهو أبو السودان، ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78)} {وَتَرَكْنَا} أبقينا {عَلَيْهِ} ثناء حسناً {فِى الأخرين} من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
{سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} {سلام} منا {على نُوحٍ فِى العالمين}.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)} {إِنَّا كذلك} كما جزيناهم {نَجْزِى المحسنين}.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)} {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين}.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)} {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الأخرين} كفار قومه.
{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)} {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} أي ممن تابعه في أصل الدين {لإبراهيم} وإن طال الزمن بينهما وهو ألفان وستمائة وأربعون سنة وكان بينهما هود وصالح.
{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)} {إِذْ جَآءَ رَبَّهُ} أي تابعه وقت مجيئه {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من الشرك وغيره.
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85)} {إِذْ قَالَ} في هذه الحالة المستمرّة له {لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ} موبِّخاً {مَاذَا} ما الذي {تَعْبُدُونَ}؟
{أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)} {أَئِفْكاً} في همزتيه ما تقدّم {ءَالِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} وإفكا مفعول له، وآلهة مفعول به، لتريدون والإِفك: أسوأ الكذب، أي أتعبدون غير الله؟.
{فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)} {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين} إذ عبدتم غيره أنه يترككم بلا عقاب؟ لا، وكانوا نجامين فخرجوا إلى عيدٍ لهم وتركوا طعامهم عند أصنامهم زعموا التبرك عليه فإذا رجعوا أكلوه، وقالوا لسيدنا إبراهيم: اخرج معنا.
{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88)} {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النجوم} إيهاماً لهم أنه يعتمد عليها ليعتمدوه.
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)} {فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ} عليل أي سأسقم.
{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)} {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ} إلى عيدهم {مُّدْبِرِينَ}.
{فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)} {فَرَاغَ} مال في خفية {إلى ءَالِهَتِهِمْ} وهي الأصنام وعندها طعام. {فَقَالَ} استهزاءً {أَلا تَأْكُلُونَ} فلم ينطقوا.
{مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)} فقال: {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} فلم تُجِبْ.
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين} بالقوّة فكسرها، فبلغ قومه ممن رآه.
{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)} {فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي يسرعون المشي، فقالوا له: نحن نعبدها وأنت تكسرها؟.
{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)} {قَالَ} لهم موبِّخاً {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} من الحجارة وغيرها أصناماً.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} {والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} من نحتكم ومنحوتكم، فاعبدوه وحده، وما مصدرية، وقيل موصولة، وقيل موصوفة.
{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)} {قَالُواْ} بينهم {ابنوا لَهُ بنيانا} فاملأوه حطباً وأضرِموه بالنار فإذا التهب {فَأَلْقُوهُ فِى الجحيم} النار الشديدة.
{فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)} {فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} بإلقائه في النار لتهلكه {فجعلناهم الأسفلين} المقهورين فخرج من النار سالماً.
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)} {وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إلى رَبِّى} مهاجر إليه من دار الكفر {سَيَهْدِينِ} إلى حيث أمرني ربي بالمصير إليه وهو الشام، فلما وصل إلى الأرض المقدسة قال:
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} {رَبِّ هَبْ لِى} ولداً {مِّنَ الصالحين}.
{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} أي ذي حلم كثير.
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)} {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} أي أن يسعى معه ويعينه. قيل: بلغ سبع سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة {قَالَ يابنى إِنِّى أرى} أي رأيت {فِى المنام أَنِّى أَذْبَحُكَ} ورؤيا الأنبياء حق وأفعالهم بأمر الله تعالى {فانظر مَاذَا ترى} من الرأي: شاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به {قَالَ ياأبت} التاء عوض عن ياء الإِضافة {افعل مَا تُؤمَرُ} به {سَتَجِدُنِى إِن شآءَ الله مِنَ الصابرين} على ذلك.
{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)} {فَلَمَّآ أَسْلَمَا} خضعا وانقادا لأمر الله تعالى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه عليه، ولكل إنسان جبينان بينهما الجبهة وكان ذلك بمنى، وأمرّ السكين على حلقه فلم تعمل شيئاً بمانع من القدرة الإلهية.
{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104)} {وناديناه أَن ياإبراهيم}.
{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)} {قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ} بما أتيت به مما أمكنك من أمر الذبح: أي يكفيك ذلك، فجملة ناديناه جواب لمّا بزيادة الواو {إِنَّا كذلك} كما جزيناك {نَجْزِى المحسنين} لأنفسهم بامتثال الأمر بإفراج الشدّة عنهم.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)} {إِنَّ هذا} الذبح المأمور به {لَهُوَ البلاؤا المبين} أي الاختبار الظاهر.
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} {وفديناه} أي المأمور بذبحه، وهو إسماعيل، أو إسحاق: قولان {بِذِبْحٍ} بكبش {عظِيمٍ} من الجنة: وهو الذي قرّبه هابيل، جاء به جبريل فذبحه السيد إبراهيم مكبِّراً.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108)} {وَتَرَكْنَا} أبقينا {عَلَيْهِ فِى الأخرين} ثناءً حسناً.
{سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)} {سلام} منا {على إبراهيم}.
{كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)} {كذلك} كما جزيناه {نَجْزِى المحسنين} لأنفسهم.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)} {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين}.
{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)} {وبشرناه بإسحاق} استدلّ بذلك على أن الذبيح غيره {نَبِيّاً} حال مقدّرة: أي يوجد مقدّراً نبوّته {مِّنَ الصالحين}.
{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)} {وباركنا عَلَيْهِ} بتكثير ذرّيته {وعلى إسحاق} ولده بجعلنا أكثر الأنبياء من نسله {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} مؤمن {وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} كافر {مُّبِينٌ} بيِّن الكفر.
|